نشر في الصباح نيوز يوم 01 – 10 – 2016
منذ يومين نشرت داء الإفتاء بلاغا حدّدت فيه نصاب الزكاة لهذه السنة والذي يقدّر بسبعة آلاف وتسعمائة وخمس وعشرون دينارا، كما أشار البلاغ أن من فوائد الزكاة إحداث التوازن المالي بين الأغنياء والفقراء وتدعيم السلم الاجتماعي والقضاء على الفقر والخصاصة، كما أكّدت دار الإفتاء في بلاغها أن الزكاة يمكن أن تسهم في توفير فرص عمل في الوقت الحاضر لأصحاب الشهائد العليا كما أنها تساهم في نماء المال الذي وصفته دار الإفتاء بأنه “قوام الحياة للجميع”.
دار الإفتاء حثّت كل مزكّي على المساهمة بالزكاة في توفير الادخار وسيولة المال في الدورة الاقتصادية واعتبار ذلك واجبا دينيا ووطنيا.
ورغم أن البلاغ لم يشر صراحة إلى جهة معينة تتكفّل بقبول أموال الزكاة وتتولّى توجيهها إلى مستحقيها، إلا أن ذلك طرح السؤال حول مدى أهمية إحداث صندوق للزكاة والذي كانت تقدّمت به منذ مدّة الجمعية التونسية لعلوم الزكاة.
محمّد مقديش رئيس الجمعية التونسية لعلوم الزكاة وعضو مجلس إدارة الاتحاد العالمي لتعظيم شريعة الزكاة، وفي حوار له مع جريدة “الصباح” عبّر عن وجهة نظر الجمعية حول إحداث صندوق للزكاة، والجدوى الاقتصادية والاجتماعية لهذا الصندوق.
26/26 تجربة سيئة…
رغم أن دار الإفتاء تصدر بلاغا سنويا يحدّد نصاب الزكاة إلا أنه لا يوجد هيكل أو مؤسسة لجمع هذه الأموال رغم أهميتها، ويقول محمّد مقديش “في الحقيقة الجمعية التونسية لعلوم الزكاة يؤسفها أن يقتصر دور دار الإفتاء على إصدار بلاغات تحدّد فقط النصاب الشرعي للزكاة كل سنة، حيث يقتضي واجبها الأصلي مساعدة الشركات والأشخاص على احتساب نصابها.”
اقترحت الجمعية لمزيد التحكّم وترشيد أموال الزكاة التي تقدّر سنويا بآلاف الدينارات، إنشاء صندوق الزكاة يخصّص لجمع هذه الأموال وصرفها بعد ذلك في مشاريع تنموية وفي التشغيل، ولكن هذا المقترح لم يقع تبنيه من أي طرف حكومي أو سياسي..
وعن ذلك يقول مقديش “نحن اقترحنا إحداث صندوق الزكاة أسوة بما هو معمول به في عدّة دول عربية، ولكن هذا المقترح وجد فقط تجاوبا من بعض نواب حركة النهضة والتزاما مبدئيا من وزير الشؤون الدينية السابق بالنظر في المقترح بجدية، ولكن على ما يبدو أن التوافقات السياسية داخل الحكومة رفضت تبنّي المقترح خوفا من اتهامات التسييس، ونحن كنّا قد توجهنا بنقد لحركة النهضة لأنها دفعت بالملف في 2012 وتخلت عليه بعد ذلك، ونحن اليوم اتصلنا بوزير الشؤون الدينية الجديد لتحديد موعد لمقابلته وما زلنا ننتظر الجلوس إليه لتقديم المقترح من جديد.”
وكانت الجمعية التونسية لعلوم الزكاة قد اقترحت إنشاء صندوق تحت إشراف وزارة الشؤون الدينية أو الشؤون الاجتماعية وبمشاركة هيئة شرعية من دار الإفتاء مع ضرورة وجود ممثلين عن المجتمع المدني لبث الطمأنينة لدافعي الزكاة حتى تذهب هذه الأموال لمستحقيها، خاصّة وأنه لدينا تجربة مريرة ومشابهة تتمثّل في صندوق 26/26.
أموال الزكاة والأموال المستحقة ضريبيا
عندما تقدّمت الجمعية أشيع أن صندوق الزكاة سيشجّع المؤسسات ورجال الأعمال على التهرّب الجبائي بدعوى المساهمة في صندوق الزكاة ولكن رئيس الجمعية التونسية لعلوم الزكاة محمّد مقديش نفى ذلك بشدة قائلا: “كل ذلك مجرّد ترهّات وافتراءات ،لأن أموال الزكاة تحتسب خارج الأموال المستحقة ضريبيا، كما أن المقترح الذي تقدّمنا به لإنشاء صندوق زكاة يتضمّن وجوبا على المزكّي أن يكون قد قام بدفع الضرائب المتوجّبة عليه، وليس هناك امتياز جبائي لهؤلاء المزكّين عكس ما تم ترويجه “.
وحسب رئيس الجمعية التونسية لعلوم الزكاة فان أموال الزكاة تقدّر سنويا ب3.500 مليون دينار يؤكّد مقديش أن هذه التقديرات توصّلوا إليها بعد أن اتصلت بهم شركات كبرى منها ما هو حتى مدرج بالبورصة ورجال أعمال لاحتساب نصاب الزكاة من أموالهم، ولكن بعد ذلك لا يعلمون كيف ينفقونها، وفق ما أكّده مقديش.
كما أشار مقديش أن صندوق الزكاة بهذه التقديرات المالية يمكن أن تصل ميزانيته 5 أضعاف ميزانية وزارة الشؤون الاجتماعية، وهو ما يسمح ببعث مشاريع تنموية صغرى ومتوسّطة كما يسمح بخلق مئات إن لم نقل آلاف مواطن الشغل.
وبسؤال محدّثنا ما إذا كان حاول الاتصال بالأحزاب السياسية الفاعلة اليوم في المشهد وبالكتل البرلمانية لإقناعها بجدوى هذا الصندوق الاقتصادية والاجتماعية، فأجاب أن كل الأحزاب بما في ذلك أحزاب يسارية وعلمانية أبدت قيادات بارزة منها موافقتها على هذا الصندوق بل طالبوا بضرورة تجميع هذه الأموال لعدة اعتبارات، ولذلك نحن اتهمنا حركة النهضة بأنها لا تريد صندوق الزكاة لأنها مستفيدة من الوضع.
الاقتصاد “الجديد”..
ختم محمّد مقديش بالقول أن الجمعية تطلب مقابلة وزير الشؤون الدينية لأنه رأى اهتماما كما يقول من رئيس حكومة الوحدة الوطنية يوسف الشاهد بالطبقات الضعيفة والفقيرة ولذلك فان إحداث صندوق زكاة سيدعم بقوة رؤية الحكومة للاقتصاد التضامني والاجتماعي.
ويعدّ إحداث “صندوق للزكاة” جزء من منظومة الاقتصاد الإسلامي أو الصيرفة الإسلامية والتي بدأت تتخذ لها مكانا في الاقتصاد الوطني حيث تبلغ حصة مؤسسات الصيرفة الإسلامية في تونس نسبة 5 بالمائة من إجمالي السوق وفق تقديرات خبراء في المالية.
كما أن محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري أكّد منذ أيام أن الحكومة تتطلع إلى تعبئة اعتمادات بقيمة 1000 مليون دينار عن طريق آلية الصكوك الإسلامية.
منية عرفاوي